في رِحابِ العطش، نحنُ الظامئون، والحسين الكوثر
البدء:
القضية الحسينية لها أبعاد كثيرة وجليلة،ومنها البُعد الوجدانيّ والعاطفيّ، الذي هو طريق سهل ممتنع لايناله إلا من رقْ قلبه وزاد فيض إحساسه، وأبصر الحسين عليه السلام فكراً ومنهجاً وثورةً ضد الظلم.
والعمل المقدم من قبل المصور الضوئي أستاذ رحيم السيلاوي Raheem Alsilawi يحتوي على جنبه إنسانية، وسلط ضوءه على حادثة العطش الذي أخذ مأخذه من عيال ألإمام الحسين عليه السلام.
تحليل:
أما تحليل العمل فقد استندت الفحوى الضوئية، والإرسالية الجماليّة على تواصل بصري،والتفاتة متوهجة المشاعر لها حنو الأم على طفلها الرضيع، ورأفة الشفيق على الضعيف، وإيثار النفوس الكبيرة وهي تجود بما تملك.
يكمن ثقل العمل كما عبر عنه جان برتليمي في كتابه بحث في علم الجمال-" الفرد نقطة البدء في كل شيء هذا هو المبدأ الحقيقي لكل إبداع" العمل المقدم يعتمد على فعل ورد فعل لفرد ضمّن مجموعة، وكأن هذا الفرد اناب عنهم بالتعبير عما يعتلم في صدورهم وما يعانون من كمد وعطش، لتلتقي نظرة الفرد المتسيد المشهد (1) مع الفرد في مقدمة العمل وظهره للمتلقي (2) حتى يوصلنا نحو الغاية المرجوه (3) في تواصل بصري على شكل مثلث حسي كي تكتمل الإحالة الضوئية،برسالتها المختصرة بسلاسة دون قيد أو مشتتات وتسهم في الإنشغال المعرفي لماهية الرسالة، وضرورة وجود الحدث الدرامي المستتر نوعاً ما،والظاهر بعد التمعن من قبل المُستقبل (الجمهور) بعد أن تمكّن المرسل (المصور) من توثيق والتقاط عمله الفني في ديناميكية بصريّة (الرسالة) ذات مدلولات ورمزيات مختلفة ،داخل المشهد الضوئي؛ مثل اللباس المعبر عن إسلاميته والدماء على سطّح اليدين المعبر عن دموية الحدث، كذلك اللون الذي أعطى انطباعين حقيقيين، عما يجري داخل الإطار الضوئي، كألوان متضادة، ورمزية المواجهة.
المواجهة والتضاد:
من المؤكد أن المصور عمد إلى جعل العمل يتمتع
بتناغمات الأضداد المباشرة أو الألوان المتكاملة؛ وهي: الأحمر مع الأخضر كما هو ظاهر للمتلقي، وكل لون من هذه الألوان يقع مواجهاً للأخر في دائرة الألوان مثل الأصفر والبنفسجي والبرتقالي مع الأزرق هذه اللوان متقابلة، وكأن الفنان رمى بسهمٍ خفي ليبين العلاقة المتضادة ووقوع التقابل والمواجهة بين أفراد العمل حيث استعار إلفهم اللوني لهذا المعنى النفسي الكامن في عجلة الألوان ليكون رمزاً على ماجرى في واقعيّة أصّل الحدث.
ونستطيع ان نجمل ماقدمه السيلاوي كتحليل فني بنقاط ثلاثة.
- الجانب الوجداني والعاطفي: يظهر بجلاء في هذا العمل مدى المعاناة والألم الذي عاشه أطفال الإمام الحسين عليه السلام، والذي تمثل في إعطاء الماء خلسة لتلك الروح المنهكة. وهذه اللوحة البصرية تؤثر في مشاعر المتلقي وتستنهض عواطفه حيال هذه المأساة الإنسانية.
- الجانب الفني والجمالي: يتجلّى في هذا العمل مهارة المصور وقدرته على التقاط اللحظة الدرامية بشكل مؤثر. فالتركيز على تعبيرات الوجوه والألوان والإضاءة المتباينة تعمل على إيصال الرسالة بطريقة إبداعية جمالية.
- الجانب الرمزي والدلالي: تحمل هذه اللوحة البصرية رموزاً إسلامية وإنسانية عميقة، كالملابس التي تؤكد الهوية الإسلامية، والدماء على اليدين التي تعبر عن سفك الدماء، والألوان المتضادة للتعبير عن صراع الحياة والموت.
- إن هذا العمل الفني للمصور رحيم السيلاوي نجح في إيصال جزء من المأساة الحسينية بطريقة إنسانية مؤثرة، مستخدماً قوة الصورة الفوتوغرافية لتحريك مشاعر المتلقي والدعوة إلى التأمل والتفكير في هذه القضية العميقة.
أبناء الشعائر:
أنا كمتلقي كما غيري لسنا بعيدين عن هذه الشعائر والطقوس الحسينية، لذا يسهل علينا فهم مجريات الحدث التأريخي، لكنه غائب عن بعض الأخوة العرب علاوة عنّ الأجانب، وهنا مكمن الأهمية والضرورة في أن تكون الرسالة الحسينية بجانبها الإنساني قويّة الدلالة الفنية، عميقة البُعد النفسي والروحي، فريدة التكوين، فهي قد تُلجأ المتلقي البعيد عن هذه المناسبات بالبحث عن ماهيتها أو تحفزه بالسؤال عن فحواها وظروفها التي أفرزت تلك الشعائر، وهذا بحد ذاته إسهام عميق لجذب الأخرين التقصي عن القضية الحسينية.
الأنثروبولوجيا الدينية:
إن الأعمال الضوئية في ما يخصّ حدّث عاشوراء وغيره منّ المناسبات الدينية الإسلامية، تكون تحت عنوان الأنثروبولوجيا الدينية "1" التّي بدورها تكون وثيقة علمية لفهم أعمق للأنماط والمعاني الكامنة، وراء الممارسات الدينية للشعوب. وبهذا يساهم علم الأنثروبولوجيا الديني في إثراء الفهم البشري للتنوع والثراء في الحياة الدينية للمجتمعات حول العالم.
كما أننا تعمدنا أن نفكك العمل على أساس الجماليّات الفنية، وما كان مضمراً لونياً من أجل أن تصل الرسالة إلى الأخرين، من غير الدخول في السردية التأريخية، على الرغم من وجود نوع من أنواع النقد يسمى النقد التأريخي، إلا أننا فضلنا تناول الصورة من الجانب الجمالي ليكون مساهماً في جذب المتذوقين للفن من باب الفن، حتى تعمّ الغاية والمساهمة بنشر القضية الحسينية فنياً وذوقياً.
———————————
"1"-
الأنثروبولوجيا الدينية تبحث في مختلف المعتقدات والممارسات الدينية للثقافات والمجتمعات البشرية حول العالم، من شعائر العبادة إلى الطقوس والاحتفالات المرتبطة بالأعياد والمناسبات الدينية. كما تدرس العلاقة بين الدين والجوانب الأخرى للثقافة، مثل السياسة والاقتصاد والفنون.
ملاحظة مهمة؛
لقد استأذنت من الأستاذ رحيم السيلاوي بالقطع بعد أن اوصلت له فكرتي ورحب بها وكان التطابق فيما بيننا ممتاز فأجاز لي ذلك.

