الظلال في التصوير الفوتوغرافي: بين المعنى النفسي والرمزي والتجلي القرآني

Hussein Najem
المؤلف Hussein Najem
تاريخ النشر
آخر تحديث

الظلال في التصوير الفوتوغرافي: بين المعنى النفسي والرمزي والتجلي القرآني


الظلال في التصوير الفوتوغرافي بين المعنى النفسي والرمزي والتجلي القرآني

قراءة في عمل المصور الفوتوغرافي AbdelAzim Altaghloby photography AbdelAzim Altaghloby


مقدمة

منذ عرف الإنسان الضوء، عرف معه الظل. فالظل ليس مجرد انعدام الضوء، بل له بًعداً وكيان بصري ووجداني وجمالي، يحفز على التأمل ويثير التساؤل. فلا تكتمل صورة أو عمل ضوئي دون توازن الضوء والظل، وكأنهما ركنان متكاملان وتوأمين لا يفترقان في تشكيل الرؤية والمعنى.

لذا نجد الظل في التصوير الفوتوغرافي يعد أساساً يساهم في تشكيل العمق والبعُد والمزاج العام للصورة. فالصورة التي تعتمد على توزيع مدروس للضوء والظل، تخلق إحساساً بالدراما أو الحنين أو الغموض حسب العمل المقدم.

الظلال حسب المدرستين النقديتين النفسية والرمزية

أما التفسير النفسي للظلال، "وهنا على المصور أن يدرك ذلك المعنى" ينظر إلى الظل بوصفه جزءً من اللاوعي، حيث يمثل الجانب المكبوت أو المنسي في الذات، وكناية عن الوحدة أو الغياب، أو حتى حضور غير مرئي. ففي بعض الأحيان حينما يصور المصور الظلال فإنه يعكس صراعاته بشكل غير واعٍ أو أحلامه أو حتى قلقه، لذا والحال كذلك فإنها تفتح باب التأمل بعد أن خلقت حالة من الغموض.


أما في النقد الرمزي (السيميولوجي)، الظل لا يقرأ فقط بما هو عليه كظل، بل ينزاح المعنى لمعانٍ فيها الدلالة لما يمثله ذلك الظل، فهو دال على الغياب كما هو دال أيضاً على الحضور، فالظل وحسب هذه المدرسة علامة على ما وراء المرئي، التي تشير إلى وجود غير مباشر، وهذه رمزيات تقرأ بمعناه الدلالي نستطيع من خلالها تطويع المشهد لمفاهيم السرد الضوئي مثل: الظلال تحت الكرسي قد تًشير إلى الفراغ، والظلال الطويلة ساعة الغروب يحكي عن الزمن الممدود والتلاشي التدريجي، كما أن الظلال الطويلة وهي اهتمام هذا المقال قد ترمز إلى غياب شخص أو حكاية منسية ، أو لذاكرة لاتزال معلقة في الزمان والمكان “زمكانية" 


سمحنا لأنفسنا واسقطنا معنى الظل في الصورة على ما جاء في بعض سور القرآن الكريم كما جاء في سورة الفرقان [ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا عليه الشمس دليلا] آية:45 في هذه الآية المباركة مع التأمل فيها، فالظلال هنا ممدودة وتتحرك مع الضوء، كأنها تقول: الظل موجود ليذكرك، لكنك غافل عنه، هو مرآتك، لكنه صامت. وهذا مرتبط أيضاً بما جاء في سورة القصص [ثم تولى إلى الظل] آية:24 أي إلى لحظة السكينة والـتأمل بعد الحراك.


ظلال فوق الدرج – التكوين الصامت والهوية الغائبة

في نظرة أولية فاحصة لعمل المصور الفوتوغرافي عبد العظيم التغلبي نرى شخصاً يمشي نازلاً من الدرج، لكن ما لفت الانتباه، ليس حضوره الواقعي، بل الظلال الطويلة التي خلفها جسده ورائه التي تمتد على الأرض كأشباح صامته، واللافت أن الظلال تتكرر بأشكال مختلفة، أطول من الشخوص الحقيقيين، إذا ما ملئ الدماغ الفراغ من عدم ظهور بقية الأشخاص، تبدو وكأنها تحكي قصة أخرى لا يمكن رؤيتها في الوجه لو كان مكشوفاً أو ظاهراً في العمل. 


عند تطبيقنا النظرية النفسية على هكذا عمل فإنه يدل على أن طول الظل مقارنة بالجسد يوحي بأن هناك أبعاد داخلية مختلفة أكبر من تلك الظاهرة في المشهد، فالظل هنا ليس مجرد نتيجة للضوء، بل تمثيل لامتدادات نفسية، أو لذاكرة أو ماضٍ وربما يمثل حتى " الأنا" يحملها هذا الشخص دون وعي. كما أن الظل في أحيان كثيرة يرمز إلى ما نخفيه عن الأخرين، أو ما نخشى مواجهته في داخلنا.


كما أننا عند إبصارنا الظلال الساقطة على الدرج فإنها تدخل إلى رمزية التحول من مستوى في التفكير إلى اخر، ومن واقع إلى خيال ومن وعي إلى اللاوعي، فكل خطوة هي عبور والظلال تخلفت عن الجسد كأنها تحيلنا إلى ماضٍ أليم، أو ذكريات حزينة، أو ترك الماضي والسير قدماً دون مبالاة مما خلفنا أو ورائنا.


فالشخص الظاهر في العمل سواء كان رجل أو امرأة هذا لا يهم " الأهم ماذا يعني فعله" هذا الشخص يمسك هاتفه، ويبدو منغمساً في عالم افتراضي، غير منتبه للظلال خلفها أو أمامه. وهنا تظهر القطيعة النفسية بين الإنسان وذاته" نستطيع قول ذلك من خلال المشهد نفسه أو ما نعيشه ونراه من تأثير مواقع التواصل في حياتنا" فالإنسان يعيش في السطح، بينما جوانبه العميقة (الظلال) غير مرئية أو مهملة.


استخدم التغلبي تقنية الأبيض والأسود حيث عزز من الحس الدرامي واستخدم التباين لإبراز الظلال ككائنات مستقلة لا تابعة وهذا دليل أن المصور على درجة كبيرة من الوعي لمفهومية الظلال في العمل الفوتوغرافي، حيث لعب في منطقة تحتاج حرفية ومهارة وخبرة بإظهار التضاد في الصورة والتضاد الفكري والمفهوم في التصوير، فالتضاد بين الواقع(الجسد) والتمثيل (الظلال) يفتح الباب لتأويلات فلسفية يحول الصورة من نص بصري مجرد ومشهد عابر إلى نص مفكّر ناطق بسردية تتخفى خلف معاني الرمزية والنفسية.


الخلاصة
هذا العمل تجاوز بُعده الجمالي "كما في المدارس النقدية الكلاسيكية" ليصبح تأملاً في الهوية والماهية، في الوعي وفي علاقتنا بالضوء والظل كرمزين لما نُظهره وما نخفيه، الصورة في العمل المقدم من قبل الأستاذ عبد العظيم، تحملنا لنسير لا مع الجسد، بل مع الظلال، لنرى ما لا يقال، ونسمع ما لا يُسمع، ونقف في الظلال لا لنختبئ، بل لنتأمل.


حسين نجم السماوي

16/5/2025 



تعليقات

عدد التعليقات : 0