زها حديد بعدسة المصور الضوئي: قراءة فنية في الضوء والتجريد المعماري

Hussein Najem
المؤلف Hussein Najem
تاريخ النشر
آخر تحديث

زها حديد بعدسة المصور الضوئي: قراءة فنية في الضوء والتجريد المعماري


مدخل فني:

حينما نتطرق إلى التطور المعماري الذي شهدته السنوات الأخيرة، ومدى تأثيره على القيم الجمالية والعملية الإبداعية، وإحياء روح الحضارات بأسلوب يتماشى مع العصر، لا بد من التوقف عند المدرسة المعمارية الفريدة لزها حديد.

زها حديد بعدسة المصور الضوئي: قراءة فنية في الضوء والتجريد المعماري

لقد استطاعت أن تفرض حضور الخطوط والمنحنيات بدلالاتها الفلسفية والفنية، تاركةً إرثًا معماريًا متفردًا، تتجلّى فيه هيبة التكوين وسموّ الدلالة، إلى جانب عبقرية التجريد واستقلالية كل مساحة في إطار وحدوي هندسي غنيّ بالمعاني.


الإبداع الفني بين الفلسفة والتجريد:

يُقال في تاريخ الفن: إن الفنان هو من يُعيد صياغة الإبداع وفق نظرته الخالصة، لا بتكرار الجمال بل بترجمته. فله حرية اختيار ضربات فرشاته واتجاه ألوانه ومساحاته، ليُترجم أحاسيسه ويُظهر مدى تأثره.

يرى كروتشه في كتابه فلسفة الفن:

"الفنان إنما يقدم صورة أو خيالًا، والذي يتذوق الفن ينظر من النافذة التي هيأها له الفنان. فإذا به يعيد هذه الصورة في نفسه... فتلك جميعًا مترادفات تتردد باستمرار حين نتحدث عن الفن".

هذه الرؤية تُعزز فكرة مشاركة المتلقي في التجربة الفنية، وتحفيزه على التأمل والتفاعل مع الرسالة البصرية.


عدسة أحمد قدوره والتجريد المعماري:

العمل الذي قدّمه المصور الفلسطيني أحمد قدوره، والحائز على الجائزة الفضية والبرونزية في مسابقة Epson International Pano Awards، يُعد من النماذج البارزة في التصوير التجريدي المعماري.

زها حديد بعدسة المصور الضوئي: قراءة فنية في الضوء والتجريد المعماري

زها حديد بعدسة المصور الضوئي: قراءة فنية في الضوء والتجريد المعماري

يُجسّد هذا العمل أسلوب "الفاين آرت" بلمسة تجريدية حسية، تسرد حكاية صراع بين الأسود والأبيض. أجاد الفنان إسقاط المعاني على الواقع، وأعاد بناء الجمال برؤية نابعة من التذوق الفني العميق.


الضوء كرمز فلسفي:

من خلال الخط الأفقي المنحني الأبيض، عبّر الفنان عن تدفق المعنى من العلو إلى الاستقرار الأرضي. فالضوء، في هذا السياق، يحمل بعدًا فلسفيًا: إنه خيرٌ نازل من الأعلى، ينتشر على الأرض، فيعمّ أثره.

الأعمدة الموزعة فوق الجسر تؤكد هذا المدّ الضوئي، وتعزز رمزية التوازن.
أما استخدام الشتر البطيء، فقد أضفى ملمسًا حريريًا للماء، أشبه بمرآة تعكس المشهد برويّة، ما يمنح المتلقي فرصةً للهدوء والتأمل.


هندسة الضوء والظل:

استخدم الفنان التظليل التدريجي بالأسود للحفاظ على مركزية الضوء، فجاء الأبيض بطلاً بلا منازع. أما السماء، فلم يتركها خالية، بل أضاف لها بُعدًا دراميًا، من خلال الغيوم الممدودة بالتعريض الطويل، لتوازن الضوء في منتصف الصورة.


تحية لزها حديد:

لم يبتعد الفنان عن هوس زها حديد بالخطوط والمنحنيات؛ بل جعل الخط الأفقي يخترق المنطقة البيضاء بثبات، كمفهوم إنساني تجريدي عن التواصل بين ضفتين.
لقد وعى المصور أهمية الخط في بناء المعنى النفسي والبصري، مؤكدًا أن التجريد المعماري ليس فقط جمالًا بصريًا، بل فلسفة كاملة تعكس وعياً ودهشة.


خاتمة:

أحمد قدوره، كونه مهندسًا معماريًا، لم يلتقط صورة فحسب، بل قدّم تحليلاً بصريًا يتّحد فيه الفن مع العمق المعرفي. أعاد قراءة أحد أعمال زها حديد بعدسته، وتحسس تفاصيلها كطفل يكتشف ملمس عنق والدته، باحثًا عن نبض الجمال في صمت الظل والضوء.


تعليقات

عدد التعليقات : 0