الضوء كاشف: عن الحال في العمل الفوتوغرافي علينا إدراكه

Hussein Najem
المؤلف Hussein Najem
تاريخ النشر
آخر تحديث

 الضوء كاشف: عن الحال في العمل الفوتوغرافي علينا إدراكه.

الضوء في الصوة الفوتوغرافية، عامل مهم لنجاحها، فكل صورة أو تعرض ضوئي يعتمد اعتمادا كلينا على الضوء. ويتحول هذا العامل الرئيسي، إلى كاشف عن حالة إنسانية داخلية، تظهر مكامن النفس أكثر مما يظهر المشهد في تفاصيله الأخرى وعناصره. وفي طريقة استغلال الضوء ومن خلال الرمزيات أو طرق توزيعه، وفي تكوينه تكمن الرسالة والسردية البصرية.


الضوء كاشف: عن الحال في العمل الفوتوغرافي علينا إدراكه

فقد يكون هذا الضوء حاد في صورة هادئة، وهنا يرمز ويكشف عن القلق أو الاضطراب، أو أن تكون معتمة لكن ببقعة ضوء خافتة تعبر عن الأمل أو التفائل، او الفرج، أو انتهاء أزمة أو مشكلة وهكذا ممن يدخل ضمن النظريات النفسية والفلسفية للفن.

بعض المفاهيم الفلسفية والنفسية للضوء لسفارته في الصورة:

  •        جمالياً: يرتبط هذا المفهوم بنظرية الضوء والظل في الفن الكلاسيكي، حيث يرمز ومن خلال هذه النظرية إلى العقل والوعي والعلم والمعرفة، بينما يشير المعنى المضاد للضوء أي الظل إلى اللاوعي وما هو مكبوت، وما تخفيه النفس الإنسانية..
  •        فلسفياً: نستطيع الاستعانة بالفهم الفينومينولوجي واستحضاره عند الفيلسوف الفرنسي ميرلوبونتي (حيث يؤكد فيها على ضرورة العودة إلى الخبرة الإدراكية من خلال الارتباط القائم بين الإدراك وما هو معاش) حيث يصبح الضوء ليس فقط كاشفا للموجود، بل جزءً من إدراكنا الجسدي والروحي معاً. *
  •       اجتماعياً: يلعب الضوء دوراً محورياً في الكشف عن الفضاءات الاجتماعية، فالمصابيح الكبيرة ذات الإضاءة العالية بوجود عنصر بشري قريب منها أو تحت ضوءها يكشف لنا دلالياً عن حالة التغرب التي يعيشها هذا الانسان داخل بيئته وعلى هكذاقس بقية الأضواء.
  • "دلالة وكشف الضوء لبعض الفلسفات والمدلولات النفسية صراحة موضوع يطول شرحه، ويتعمق معناه، كلما سرنا نحو تفكيكه، وهذا لا أرجوه صراحة كي لا أطيل على القارئ" (ينظر الصورة رقم 1)

الضوء كاشف: عن الحال في العمل الفوتوغرافي علينا إدراكه

مثال في هذه الصورة: ماذا يمثل الضوء هنا، وعن ماذا يكشف. أترك التعبير والإدراك للقارئ اللبيب.

إن الضوء في الأعمال الفوتوغرافية، ليس تقنية أداة كاشفة ملامح الأشياء، بل الموضوع أعمق من ذلك! فهو عنصر تقف على نجاحه الصورة، وعامل يتحول إلى عنصر دلالي يتشابك ويمتزج ويتماهى مع المعنى. نعم يتشابك مع المعنى ويعيد تشكيل الإدراك البصري والنفسي للصورة، يظن "بعض" مصورينا أن الضوء يضيء فحسب عند الالتقاط، والحقيقة هو كاشف لما أستتر، لا يظهر العناصر والأشكال في العمل الفوتوغرافي، بل يستنطق الجوهر المكنون، وأداة تعبيرية عن النفس وتحليل لطبقات الشعور التي ترسمها الصورة المرسلة لعين المتلقي، لذا وجب علينا كمصورين أن نهتم لهذه الدلالات النفسية للضوء ونبحث عنها في كل مكان وبقعة أرض.

الضوء وبعض تعبيراته ورمزياته:

       1-  الضوء كأداة تعبيرية داخلية لما خفي عنا.

من الممكن أن نلتقط صورة بالتقاطه بسيطة في أي مكان مألوف، إلا أن الإضاءة وكيفية اختيار مساقطها سواء كانت طبيعية أو صناعية، هي من تحولها وتخرجها من البساطة الى تجربة وصورة تأملية أو مزعجة بعض الأحيان. وذلك السبب يعود للمصور باستغلال الضوء بطريقة إدراكية جمالية استعدادا لإرسالها للمتلقي، وأول من يدرك الضوء بفلسفته هو المصور. فالإضاءة المنخفضة على سبيل المثال تعبر عن الكأبة أو الانطواء تظهر شدة الحزن، اما الضوء الحاد فوق عناصر محددة، فأنه يفتح باب التأويل نحو القلق والتوتر والارتباك وهذه التقلبات بالمعنى ليست عشوائية، بل تعكس ديناميكية داخلية، نفسية، في أغلب الأحيان تكون غير مرئية، فيأتي دور الضوء ليكشف لنا ذلك.

 

       2-  الضوء واللاوعي البشري

مع أختلاف تعريف الفينومينولوجيا بين الفلاسفة وتعدد مدارسها، إلا ان ميرلوبونتي قد جمع بين أراء هوسرل وهايدغر وخرج لنا بمفهوم يجمع بينهما، من أن دراسة الموضوعية أو الواقع كما يعاش ويختبر بشكل ذاتي، أو الخبرة الحدسية التي أكتسبها الأنسان كنقطة بداية ومن ثم تنطلق هذه الخبرة لتحليل الظاهرة، وبمعنى أكثر بساطة إن ميرلوبونتي، يعول على الإدراك الحسي "الروح" والجسدي وما يترتب عليه، كنقطة شروع لفهم الظاهرة بمعزل عن التفسير الروحي فقط، .ويعتبر الأدراك البصري ليس حيادياً، أي أن الضوء لا يراه ضوء فقط بل يشعر به لمعنى أخر يحيله من خلال إدراك الروح والجسد لذلك الضوء، فان الضوء الداخل من شباك لا يراه كعنصر هندسي بل هو علامة زمن، او رمز وحدة أو أمل يتسرب من بين أطراف العتمة. (ينظر الصورة رقم 2)

الضوء كاشف: عن الحال في العمل الفوتوغرافي علينا إدراكه

       3-  الظل والضوء كاشفان عن خلجات الإنسان يكمل بعضهم البعض الأخر

السردية البصرية لا تكتمل دون وجودهما أو أحدهما، فهما لاعبان مهمان في الفوتوغرافيا  الإدراكية، وبوجودهما يصنعان المعنى والسرد والقيمة المعنوية للعمل الفني، وهذا ينطبق على كل فنون المسرح والسينما وغيرهما من مجالات الفنون، وتعود أهميتهما، لذلك المفهوم المرسل، فالظل حيز يتسع للاحتمالات النفسية “ماذا تخفي الظلمة" الهدف من وجودها والمغزى المطلوب إيصاله للمتلقي. (ينظر الصورة رقم 3)

الضوء كاشف: عن الحال في العمل الفوتوغرافي علينا إدراكه

       4-  مدلول نفسي:

الصورة الفوتوغرافية هي سردية بصرية، أي أن لها لغة تميزها عن المنتج الثقافي والفني الأخر، وتختص به دون غيرها، لذا فإن الضوء الفوتوغرافي هو أحد تلك اللغات التي تحاكي العقل والفكر، وتحرك الراكد من المشاعر، لذا يمكن قراءة الصورة المضيئة، بوصفها لحظة "مكاشفة" وصراحة من الشعور الداخلي، وكأنها تحاكي فعل الاعتراف النفسي. (ينظر الصورة رقم 4)


الضوء كاشف: عن الحال في العمل الفوتوغرافي علينا إدراكه

       5-   مدلول اجتماعي:

يستخدم الضوء الصناعي في بعض الأحيان كمدلول تكويني رمزي، خصوصاً في تصوير المدن والذي بدوره يعكس بنية المدينة الحديثة، وحسب فلسفة المفكر الفرنسي ميشال فوكو، نستطيع اقتباس بعض كلامه لنطبقه على مفهوم الضوء في المدن، فوكو وهو يتحدث عن السلطة حيث يرى" أن السلطة قوة متدفقة واسعة النطاق تنتشر عبر مجموعات مختلفة للسيطرة على الناس وتشكيلهم" لذا يعتبر الضوء وتسليطه على الجسد هو مراقبة، وزوايا العتمة تساوي مساحة للمقاومة. عبر فوكو عن رمزية الضوء بتسليطه على بقعة أو عدمه في مكان عن السلطة ومراقبة الشعب وتقييد الحريات معتبراً هذا الضوء كاشف عن حال وهو يعمل عمل كاميرات المراقبة، أما العتمة فهي تلك المقاومة المضادة لهذا التحكم والتسلط على الناس أو الشعب، أو المواطنين. لذا نجد أن الضوء تحول لمعنى اجتماعي ذو مدلول فلسفي، وقد يختلف المفهوم من صورة لأخرى حسب العمل وعلاقة العناصر الموجودة في الصورة مع بعضها فليس بالضرورة أن يفضي لنفس المعنى الفوكوي. (ينظرالصورة رقم 5)

             من أعمالي في أزقة دمشق القديمة، نستطيع تطبيق فكرة ميشال فوكو، للتوضيح.

 

الضوء كاشف: عن الحال في العمل الفوتوغرافي علينا إدراكه

      6-  البعد الجمالي من كارافاجيو** إلى التصوير المفاهيمي***، الضوء يغير مساره الدلالي.

تميزت أعمال مايكل أنجلو بإضفاء جو درامي في لوحاته والتباين العالي بين مناطق الضوء والظل، اشتهر بإدخال تقنيات فنية جديدة مثل تقنية "Tenebrism"، التي تعتمد على التضاد بين الظل والضوء، الذي بدوره يعبر عن حالة الصراع، والمنافسة والمزاحمة، بل صرع وجودي واستخدم انجلو الضوء بمثابة لغة درامية، حيث يخرج الجسد من العتمة كأنه كائن إلهي أو مذنب. (ينظر الصورة رقم 7)

كما أن التصوير المفاهيمي يستخدم هذه اللغة بالإضاءة القليلة أو ما يطلق عليها ب (الإضاءة المتقشفة) وتسلط الضوء على عناصر خالية في الغالب من البشر، لكن ممتلئ بالمعنى. (الصورة رقم 6 من أعمال انجلو ورقم 8 من اعمالي)


الضوء كاشف: عن الحال في العمل الفوتوغرافي علينا إدراكه



الضوء كاشف: عن الحال في العمل الفوتوغرافي علينا إدراكه


الضوء كاشف: عن الحال في العمل الفوتوغرافي علينا إدراكه

الخاتمة:

إن الصورة الفوتوغرافية / ما هي إلا كتابك المصور الذي يروي حكاية تفكيرك وإحساسك وما تشعر به، فأتقن سرديته وأدواته وضوءه، وليكن الضوء هو بطلك الذي لن يخذلك إذا ما عرفت كيف تتعامل معه.

*الظاهراتية أو الفينومينولوجيا هي مدرسة فلسفة تعتمد على دراسة الموضوعية أو الواقع كما يعاش ويختبر بشكل ذاتي. وهو أيضًا الخبرة الحدسية للظواهر كنقطة بداية (أي ما تمثله هذه الظاهرة في خبرتنا الواعية) ثم تنطلق من هذه الخبرة لتحليل الظاهرة وأساس معرفتنا بها ويكيبيديا.

**(مايكل انجلو ميريزي ‏ والملقب كارافاجيو، نسبة إلى مدينة مسقط رأسه، هو رسًّام إيطالي، قام بإضفاء جوٍ درامي على مشاهد لوحاته الواقعية، من خلال لجوئه إلى استغلال تفاوت الضوء والظلال. كان له تأثير كبير على الفنانين الذين جاؤوا بعده، وأطلق اسمه على تيار فني شمل كامل أوروبا.  ويكيبيديا.

*** التصوير المفاهيمي هو لغة بصرية تعبر عن الأفكار والمعاني العميقة من خلال الصور. غالبًا ما يتضمن هذا النوع تصوير مشاهد مُرتبة، وعناصر رمزية ذات تراكب إبداعية لنقل رسالة أو قصة معينة. يعتبر هذا النوع من التصوير فنيًا ويتطلب فهمًا لرواية القصص البصرية.


 


تعليقات

عدد التعليقات : 0