-->
مدونة ظل الضوء مدونة ظل الضوء
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

الدلالة الفنية والنفسية للخطوط والألوان في الصورة والعمل الضوئي




بحث وتحليل في عمل الأستاذ كريم الذهبي.

الدلالة الفنية والنفسية للخطوط والألوان في الصورة والعمل الضوئي



 الدلالة الفنية والنفسية للخطوط والألوان في الصورة والعمل الضوئي



تمهيد.
كان الفيلسوف الناقد أرسطو مصيباً عندما فرّق بين (الفنون المفيدة-Useful art- والفنون الجميلة-Fine art-) وكان تفريقه هذا، مرتبط بالوسيلة التي يحقق كل منهما الهدف الأساسي للفن، ألا وهو "محاولة الإنسان إكمال عمل الطبيعة"1.
فهو يعتقد أن الفنون المفيدة "تتعاون مع الطبيعة لاستكمال القدرات الطبيعية وتنفيذها لتلبية الاحتياجات العملية للإنسان". اما الفنون الجميلة فهي تتعاون كذلك مع الطبيعة ولكن عن طريق "محاكاتها مما يساعد على توسيع الإدراك وصقل البصيرة وتطويرها نحو الكمال". وهكذا يساعد الفن الإنسان على تحقيق غايته في معرفة الحقيقة؛ حقيقة ذاته، وحقيقة العالم الذي يعيش فيه.
مقدمة:
هناك أعمال ضوئية، ولشدة محتواها السردي الجمالي، وما تكتنفه جنبات المساحة في العمل، وإشغالها الأستطيقي في كل نغماتها، تكون أمامها، مأخوذ بالروح التي تملكت العمل ساعة تسجيله، محفزة لديك حالة التلقي، ومنسجمة مع الخزين المعرفي، لانهما وفي هذا التجلي، تجد هذه المعرفة النظرية، قد تجسدت في الواقع، وهي تتغنج امامك، لتحتويك كياناً، وفكرا،ً وفناً أنيق المظهر، قوي الدلالة، مشبع بالرمزية، دالة على ذلك الصراع الفكري، والشعور الكامن داخل النفس البشرية.
ولكي نعيش هذا الصخب الداخلي مع العملي الناهض فنياً، لابد لنا من امتلاك مفاتيح التلقي، والأدوات التي تسعفنا لفهم هذه التركيبة الفنية، ونحن قد أستوعبنا ما فيه من ملاك، وشخوص، وعناصر، واستدلالات، وخزائن لا يمكن فك اقفالها إلا بتلك الأدوات، ودونها ستكون (نظرية التلقي) غير مكتمل شعاعها الفكري.
يُشارك العمل الفني، الناقد في عملية التفسير، ويتفاعل أحيانا، ويتحدى أحياناً أخرى؛ فيكون عصي في الفهم السريع! والقراءة المستعجلة، وهنا تكمن قوته، حيث يجبرك على الوقوف مطولاً، والتريث والاجتهاد، كي تكشف غوره، وتلم أطراف مساحاته ومكنوناته ومعانيه، كما سيمر علينا لاحقاً.
إن هدف أي نتاج فني هو المعنى، وما يعكسه ذلك المعنى في نفس المتلقي واشتراكه بخلق معنى اخر يقترب او يبتعد عن الأصل، فليس ذلك مهماً بقدر اشتراكه بالحوار البصري، كما ان هذه الحالة هي الحافز للتأمل، في مفاهيم مفتوحة المصدر.


 الدلالة الفنية والنفسية للخطوط والألوان في الصورة والعمل الضوئي


وصف العمل:
العمل للفنان الضوئي العراقي المغترب، كريم الذهبي، صوره أثناء رحلته لماليزيا في ساحة عامة. نرى من خلاله أنه أعتمد في تسجيل فكرته، وفحواه، على الأشكال الهندسية، والعناصر البشرية، واللون، أذ توزعت المساحات بينهما وتقاسما الثقل والصراع، كما اننا نرى، سياق الخط يختلف في نواحي الصورة، بين منحني ودائري، والدائري نراه مقطوع الجانب يسار الصورة، تم تعويض هذا الاقتطاع في المنتصف، ودخوله إلى مركز الدائرة نفسها، التي بدورها احتوت خطوط منحنية، متجه نحو مركز الدائرة ذاتها وكأنها أمواج. والألوان السائدة هي: الأزرق بتدرجاته الفاتحة إلى حد القتامة، تكون بمساحات خطية متقاطعة، مفتوحة وملتقية النهايات نحو جوانب العمل لكل الاتجاهات. (برجاء قراءة الوصف بتروي فإننا نحتاجه لاحقاً).
التحليل:
تسيد العمل عنصران بشريان، أضافا المعنى المستتر لتلك الخطوط والألوان، واخرجاه، من الصمت المطبق، إلى السردية البصرية، واللذان بدورهما، وازنا العمل واقعياً (كتوزيع للعناصر) في المساحة المجملة، ومعنوياً، بصرياً، فلا تشعر العين، بالنفور، ولا بالضيق إذ اخذ العنصر، ذو الملابس السوداء، الثلث الثالث، من المربع الأفقي الثاني، والعنصر القريب للمتلقي، اخذ الطرف الأسفل، من المربع الوسط في الكادر، حسب مفهوم النسبة الذهبية. فتضادا بلون الملابس بين القاتم والفاتح ذو الخطوط الأفقية مما ساهم أن نميز فيما بينهما وانفصالهما عن خلفية العمل وعدم اندكاكهما، مما عزز قوة وجودهما.

من أهم تأثيرات الألوان الباردة في التصميم أو التكوين أنها تلعب دورًا مهمًا وكبيرًا في الإحساس بالعمق.
أعتمد العمل على الخطوط الأفقية، والمنحنية، والدائرية، ذات الأشكال الهندسية، ولهما تعبيرات نفسية، وتفسيرات حسيه، حينما يضمهما عمل فني، وفق علم فلسفة الألوان.
فالخطوط الأفقية هنا: لها أكثر من مغزى، ومفهوم، فهي توحي: بالثبات، والهدوء، والاستقرار، وتعمل كأرضية أو قاعدة لكل ما فوقها، والتقاء الخطوط الافقية، مع الخطوط العمودية، يعطي الإحساس بالتوازن، كما انها تعمل على زيادة الإحساس بالاتساع الافقي، ويستفاد من الخطوط الافقية، في الصورة كوسيلة لتقدير "مدى بعد الأجسام أو قربها من عين المشاهد "وهذا ما نلاحظه في العمل، من خلال العنصران، البشريان، والمتنفسات، في بداية العمل وجوانبه ككل.
وكما للخطوط الأفقية، من مفاهيم كذلك، الخطوط المنحنية، التي نشاهدها في ذات العمل، فإنها توحي: بالوداعة والرشاقة والليونة وهذا واضح من خلال رياضة التزحلق التي يمارسها الشخصان ضمن ملاك العمل نفسه والخطوط المنحنية أيضاً تضم العناصر المتفرقة وتجمعها  كما نشاهد في منحنيات مركز الدائرة التي أشرنا اليها فيما تقدم من قول والخطوط المنحنية المتكررة ذات الطبيعة الموجية تثير احساسا بحركات دورية كالتنفس وحركة القلب ونلاحظ ذلك من خلال الأشكال الهندسية التي رسمتها وتكونت من خلالها في العمل وتعتبر الدائرة كسلسلة من المنحنيات المتصلة "تثير الانتباه وتجذب النظر".
 ولعبت الدرجات اللونية، ذات الفحوى التجريدية، إذ ان محور التجريد، يعتمد على النقطة، والخط. ويعرف الخط: "بانه مسار لنقطة في اتجاه ما، ولهذا فهو فاصل بين مساحتين"2. لعبت دوراً معززاً، منسجما، مع المفاهيم الخاصة بالخطوط، يتماشى مع روحية، وفكرة العمل، كوحدة واحدة دون تنازع بينهما، بل تبادلا الأدوار، بينهما ليوصل لنا أيضاً من خلال اللون الأزرق، ودرجاته المختلفة، إذا ما علمنا أنه يرمز؛ حسب تفسير علم النفس اللوني؛ وهو من الميادين الحديثة، للعلوم النفسية. إلى اعطاء إحساساً بالرحابة، والسعة في التواصل مع الآخرين، والاستقرار والأمان.
اللون الأزرق، من الألوان الجمعية الرئيسية الثلاثة، في الضوء المرئي، (الأزرق والأحمر والأخضر)؛ يتم اختصارها بالإنجليزية :(RGB) والضوء الأزرق، يتميز بالمدى الأقصر للأطوال الموجية في الرئيسية الثلاثة.3
موجة الضوء الأزرق يتراوح طولها الموجي بين 440-520 نانومتر. ويُعد من الألوان الباردة.
نجد هذا اللون من خلال العمل، مهيمناً مع درجاته، ليوصل لنا جميع مفاهيمه، الفلسفية، التي تتماشى حسياً، وضمنياً، مع وداعة الصورة، وهدوءها النسبي، واستقرارها الوجداني.

ماذا يعني العمل:
حينما ترمق العمل بنظرة مجردة دون أسقاط مفاهيم مسبقة او عالقة في الذهن ثم تنساب مع خطوطه والوانه، مطلق العنان لروحك دون شرط، مستسلماً للمد البصري وإرساليته حينها سوف تجمع خيوط الحبكة الدرامية الضوئية، قادراً على فك رموزها مستمتعاً لترانيم وعزف مساحاتها حينذاك، تجد أن الخطوط هي تلك الخيارات التي تكون أمام بعض الأفراد كي يسيروا ضمن خطوطها نحو الأمام، وما تلك الدائرة الغير مكتملة من جانب والتي تم تعويضها من جانب أخر، ما هي إلا الدنيا؛ “من ضمن مفاهيم شكل الدائرة يمثلونها الفلاسفة بالكرة الأرضية أو الخلق الأول والنشأة وبداية الخليقة على اعتبار ان الدائرة اكمل الأشكال الهندسية"؛ لذا هي تلك الأرض التي نعيش فيها ولا ديمومة لسعادتها، والمنغصة على ابناءها، مسلوبة الراحة فيها ولا حيلة في رزقها، فلا تمام لصفو عيشها، تلطمنا أمواج قهرها وحزنها متعرجة المسير فلا تدوم على حال.
أما التعويض على عدم الاكتمال جهة اليمين؛ ما هي إلا تلك الكمالات التي يسعى أليها الإنسان ليسد نقص نفسه الباحث عن شبيهه وما يلائمه شريطة أن يكون من سنخه وطبعه، ولربما هي تلك الرحلة نحو الذات والكمالات الروحية لتنقية السريرة وخلوص النية.
بدأنا بالخطوط والدائرة، وهما أعلى الكادر، وهذا بالضد من سير العين بالعمل، وذلك تمهيداً للدخول نحو الموضوع، والوصول اليه سريعاً، دون كلل، أو ملل، أو عدم استيعاب المغزى سريعاً، فالعين، يكون دخولها من مقدمة الصورة، والتي نشاهد فيها الألوان، والمنحنيات، التي تشعرنا بالرشاقة، والليونة، والأمان، والراحة، والاطمئنان، والأحساس بالعمق" العمق في العمل حسي وليس واقعي" “كما تقدم في الخطوط المنحنية" لنصل الى قصة العمل الضوئي.
 والثقل الأكبر؛ عبارة عن شخصين، شغلا وسط الكادر بوضعية مناسبة، لمفهوم التوتر البصري-4 وحينما نسترجع فكرة الدائرة، ورمزيتها، حينها تجتمع خيوط القصة، فنجد أن من شغل تلك الأرض، "الإنسان" على النقيض من غايته، ولو تمعنا بالعنصر القريب، والأول في مسح العين، نراه قد ركب غايته، بوضعية الانطلاق نحو هدفه، مرفوع الرأس، ينظر نقطة وصوله، عارفاً ما له وما عليه، ولو زدنا بالتمعن، نجد أن ما يعتمد عليه في السير، قد شكل خطاً، أفقياً، باعثاً مفهوماً بالاستقرار، والراحة، والثبات “مفهوم الخطوط الأفقية" .هذا النوع الإنساني، مدركاً لوجوده، منسجماً مع ذاته، وذلك بالضد من العنصر الثاني، الذي نرى مسيره مربكاً، مائلا، يريد ان يخرج عن مساره، لمسار مغاير لوجهته، مبتعداً عن مركز الدائرة، ربما يصل بهذا المسير المربك، للعنصر الأول، فيتصادمان، ويتقاطعان "وهذا حال مستنداً للواقع، فكثير من الناجحين، يعترضهم الفاشلين، حال المسير نحو الغاية، والنجاح، ليثبطوا عزيمتهم، غايتهم الجر لقاع التأخر، وعدم بلوغ المرام".
اعتراض؟.
1-      لربما يعترض معترض ما بالقول: أن الكتلة متمثلة، بقدرة العنصر على جذب العين، وفي هذا العمل نجد أن الألوان، والخطوط، هي أكثر ما يجذب العين، إذا ما عرفنا أن العنصر، يكتسب كتلة أعلى، عندما يكون أحد ما يلي فيه؟.
(أكبر حجماً، أغمق لوناً، ذو تباين أعلى، وأكثر تعقيداً) وكل ذلك موجود في الخطوط، والاشكال الهندسية واللون؟.
فنجيب على ذلك "في البدء أن كل ما ذُكر صحيح، ولازم وملزم تكوينياً في العمل الفني وهو سبّاق على استحواذ العين. ولكن؟ فات المعترض، ومن حقه الاعتراض، أن (كل ما كان يتنفس أو يتحرك -غير ثابت- هو الثقل الأعلى دون منازع، بمعنى أخر؛ كل كائن حي يعتبر الأثقل، حسب المفاهيم التكوينية، وإذا ما اجتمع أكثر من كائن حي في عمل واحد، حينها تكون السيادة للإنسان ثم يأتي ما دونه من الكائنات الحية أو الأجرام السماوية. (له تفصيل في مقالات أخرى).
كما انني أكدت في بداية المقال من أن هناك (صراع ونزاع على سيادة الثقل بين العناصر مجتمعة، لكن الغلبة كانت للعنصر البشري ولولا وجوده في الصورة لأصبح الإرسال باهتاً ميتاً قليل الاهتمام.
2-     ان الصورة موضوع البحث صورة عفوية لم يجتهد فيها المصور كثيراً؟.
(ج) إن هذا القول فيه إجحاف كبير، وتجني على المصور نفسه، ومنجزه النهائي، لماذا؟
(المصور المبدع والمتميز بإرساليته هو ذلك الفنان الذي سخر، طاقاته، وثقافته، ومدركاته، وإلهامه، وأحاسيسه، فيرى ما لا يراه غيره، وعندما يجد مخرجاً جمالياً، وموضوعاً عميقاً معبراً، مسخراً لذلك جميع ما يمتلك من قوى فكرية، وإدراكات تذوقيه، قبل الضغط على زر الالتقاط، فقد وظف طاقة هائلة من الإرسالية الضوئية، والملكات النفسية، لتصل للمتلقي، بسلاسة، وسهولة، مستغلاً الفهم والوعي والنباهة التي يتمتع بها هو دون غيره).

3-     أشرت في بداية حديثك، أن العمل تجريدي، مع وجود عناصر بشرية واضحة الوجود، وهذا بالضد من تعريف الفن التجريدي الذي مفاده (هو فن يعتمد في الأداء على أشكال ونماذج مجردة تنأى عن مشابهة المشخصات والمرئيات في صورتها الطبيعية والواقعية).
(ج) لم اتطرق بالحديث عن أي محور تنتمي الصورة له، بل الذي ذكرته يخص الخطوط والألوان وعن تجريدها كخلفية للعمل. أما المحور الخاص بالعمل فهو محور المفاهيمي والذي بدوره يرتكز على الفكرة والفكرة هي فن المفهوم وهي الأداة التي تصنع الفن (حيث تعلو فيه الفكرة على العمل الفني ذاته فتُصبح العملية الإبداعية مثل الفلسفة يُحددها الجدل ووضع التساؤلات، وتُطرد قضية هامة حول وظيفة الفن وعلاقته بالمشاهد، ونتج عن ذلك توظيف المدرك البصري بالتناغم مع شتى الحواس الأخرى من سمع وعمل عقلي وحركي).5
وختاماً قد يتلقى المتلقي بالضد والعكس مما تقدم؟ وهذه حالة أجدها صحية وجيدة فأصل التلقي واختلافه نابع من اختلاف الثقافة والفهم والإدراك والتذوق الجمالي، وهو حالة طبيعية بيننا نحن البشر، بل تحسب نقطة قوة لأصل العمل.
اشكر الأستاذ الفنان كريم الذهبي على عمله وثقافته الرصينة واناقة مفاهيمه راجياً له وللجميع دوام التوفيق والنجاح.
حسين نجم السماوي


 الدلالة الفنية والنفسية للخطوط والألوان في الصورة والعمل الضوئي

—————————
1-كتاب النظرية النقدية الأوربية ص10- الفنون المفيدة مثل فن المعمار والهندسة والحرف الأخرى-الفنون الجميلة مثل- الرسم النحت الشعر والتصوير وما شاكل ذلك.
2-موسوعة ويكيبيديا-عناصر التربية الفنية.
3- الألوان- كلود عبيد.


صفحة الأستاذ كريم الذهبي على موقع التواصل الإجتماعي  Facebook

عن الكاتب

Hussein Najem

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

التسميات

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مدونة ظل الضوء

2016